العرض في الرئيسةفضاء حر
ارشيف الذاكرة .. حكايتي مع الأشباح .. مملكة الجن
يمنات
أحمد سيف حاشد
- كنت أسمع عن خالي الذي فاق طموحه اللامعقول، و حاول اقتحام عالم الجن لا أن يكون واحد منهم، بل ليتوج نفسه ملكا عليهم، و يجعلهم له طائعين و مخلصين .. أراد أن لا تعصى أوامره و لا تُرد بحال .. أراد أن يسمع منهم: “شبيك لبيك نحن بين يديك” .. أوامره مطاعة من أول وهلة، و مستجابة من اللحظة الأولى، و تنفذ دون تلكؤ أو تردد، و من غير نقاش أو سؤال .. أراد أن تكون لكل إيماءة تصدر منه ألف حساب .. باختصار أراد أن يكون “سوبرمان” و لكن على نمط ذلك العهد الموجود في المخيال الشعبي..
- كان خالي هذا لا يريد أن يكون وزيرا في مملكتهم، بل يريد أن يكون هو ذات الملك .. أراد امتلاك جميع الجن ليكونوا له عبيدا طائعين .. أراد أن يعيش ملكا في عالم خرافي لا يخترقه و لا يجرؤ بالتفكير به إلا من يملك شجاعة فذة، و رباطة جأش نادرة .. ربما بدا له المستقبل، عالم خرافي يستحق المغامرة .. لا بأس في أمر على هذه الدرجة من الأهمية أن يغامر و يجازف، فإما أن يكون ملكا في عالم الجن، أو مجنونا في عالم البشر..
- و من “جلب موجر” في الجبل، أراد الانطلاق إلى عالم الجن بكتاب “شمس المعارف”، ليعترش مملكتهم بكتاب .. أراد المغامرة التي تبدأ باستحضار الجن الذي يتبدون في البداية برؤية حشرات و ثعابين و حيوانات، ثم تنتهي بثعبان ضخم يبتلع بعضك أو معظمك .. يستعير الجن هنا الكثير من الصور قبل أن تمتلكهم، و تلج عالمهم الخرافي..
- يجب عليك أن تستمر بقراءة الكتاب مهما كانت الخطوب، و مهما أشتد الرعب عليك .. يجب أن تمضي للنهاية لنيل ما تريد .. إنها تجربة ربما بدت أفضل من الانتظار إلى ليلة القدر التي ندرتها في احتمالية المرور عليك، أقل من يوم في ألف شهر..
- عليك أن تتسمّر في مكانك و اعتكافك دون أن تحيد عنه، لا تلتفت إلى ما حولك، و لا تبالي بغير قراءة الكتاب حتى منتهاه، ليتوجك الجن ملكا عليهم .. يجب أن تندمج في القراءة و تنغمس فيها حتى شحمة إذنيك و شعر رأسك .. يجب أن تمضي في شجاعتك إلى النهاية دون اكتراث بأي مخاوف أو رعب يحيط بك .. حضور الجن سيبدأ في صورة حشرات و ثعابين و حيوانات، و من البسيط إلى الصعب و المعقّد، و من السهل إلى ما هو مرعب و مهول .. أراد خالي أن يقتحم التحدي المستحيل للوصول إلى المُلك في عالم الجن و المجهول..
- كاد يجن و هو يقرأه في خلوة موحشة، لتحقيق حلما عصيا على التحقيق، يحتاج منه إلى شجاعة مفرطة و رباطة جأش خارقة .. كانت أمي تروي التفاصيل المخيفة، و التي انتهت تجربته بسماع حوافر الخيل على السقف الذي كاد يسقط عليه، أو هكذا بدأ له الأمر، أو جاءت الأخبار عنه .. فرمى بالكتاب فزعا، و غادر خلوته و المكان راكضا و مرعوبا و مذعورا، بعد أن فاق حمله تحمُّله و قدرته..
- أراد أن يختصر طموحه نحو المملكة، فكانت مملكة الجن عليه عصية و مرعبة .. في تجربة كهذه تطال نتائج الفشل صاحبها، و إن تعدته نتائجها، ربما لا تتعدى أسرته و ذويه إن لج في الجنون .. فيما مملكة البشر و في بلاد مثل اليمن تعتبر أكثر رعبا و توحشا، و يحتاج الأمر فيها إلى استباحة الحياة، و ازهاق الأنفس، و سفك برك من الدم، و خراب كبير، لا يمكن تحمل ضخامته، و لا يخلو الأمر من غدر و مكر و خساسة و مؤامرات..
- لا يصل المرء في بلاد مثل اليمن إلى سدة الحكم، و هو الغالب و الأعم، إلا عن طريق الدم و المؤامرات، و ربما يمر أيضا من بوابة المخابرات، و ان أراد أن يستمر بالحكم، عليه أن يستمر بالرقص على رؤوس الثعابين، كما جاء في تاريخنا الحميري..
- يجب البحث عن البديل، و هو الانحياز للناس الطيبين، و تبنّي قضاياهم، و التفاني من أجلهم، و لابأس من اجتراح بوابة الخلود المؤجل بعد الرحيل، حتّى و إن هالوا عليك التراب .. كن جنرالا مع الناس لا ضدهم، و هذا هو الأهم..
يتبع..
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.